فلسطين في الخراب: التكلفة التي لا تُحتمل للحرب

فلسطين في الخراب: التكلفة التي لا تُحتمل للحرب

كي سي تياجينائب سابق في البرلمان الهندي

بينما تتصاعد حالة عدم الاستقرار السياسي، وتتنازع القوى الكبرى حول مستقبل غزة، يواجه ملايين الفلسطينيين مصيرًا غامضًا ومروّعًا.

منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، قد تستغرق عملية إعادة إعمار غزة، التي تحوّلت إلى أنقاض، أكثر من 350 عامًا، في ظل دمار شامل طال نحو 69% من مباني القطاع، وتراكم أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض، يُتوقع أن تستغرق إزالتها وحدها أكثر من 15 عامًا.

ووفقًا لتقرير أممي، فإن هذه الكمية من الركام تعادل ما يقرب من 12 ضعف حجم هرم الجيزة الأكبر في مصر، وحتى لو عملت مئة شاحنة على مدار الساعة، فإن الانتهاء من إزالة الحطام سيستغرق عقودًا، وستُجبر أجيال وُلدت في الخيام على العيش فيها لعقود قادمة، وسط غياب أي أفق دولي جاد لإعادة الإعمار في منطقة تعرّضت لخمس حروب خلال أقل من عقدين.

وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية، قدرت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن 70% من المباني في غزة قد دُمرت، بما في ذلك أكثر من 245,000 مبنى سكني. وقدر البنك الدولي الخسائر بـ 18.5 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب وهو مبلغ يعادل تقريبًا الناتج الاقتصادي المجمع للضفة الغربية وغزة في عام 2022.

وقد تحوّلت الطرق الرئيسة إلى خنادق، وتدمّرت البنية التحتية للمياه والكهرباء، كما خرجت معظم المستشفيات عن الخدمة نتيجة الاستهداف المباشر، وتشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 50 ألف شخص قُتلوا في غزة، يشكل الأطفال 44% من هذا العدد.

الأطفال الذين نجوا، يعيشون اليوم تحت وطأة الصدمة النفسية والمرض، يعانون من الكوابيس والاكتئاب، والخوف من الغرباء، بل وفقدان الرغبة في الحياة.

وتُظهر بيانات صادمة جمعتها منظمة "تحالف أطفال الحرب" الهولندية من 500 أسرة، أن 96% من الأطفال في غزة يعبّرون عن رغبتهم بعدم الاستمرار في الحياة، بينما قال 49% منهم إنهم كانوا يفضلون الموت على استمرار المعاناة.

بحسب نفس التقرير، فإن 92% من الأطفال لا يستطيعون تقبّل واقع الحرب، و79% يعانون من كوابيس متكررة، بينما أصبح 73% منهم يُظهرون سلوكًا عدوانيًا مفرطًا نتيجة الصدمة، بعد أن شاهدوا منازلهم ومدارسهم تتهاوى فوق رؤوس أحبائهم.

وتصاعدت التوترات أكثر عندما أضرم جندي أمريكي مشارك في العمليات العسكرية النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن العاصمة، وهو يصرخ مرارًا: "لا مزيد من التورط في الإبادة الجماعية". وقد أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار، أيدته 158 دولة، من بينها الهند.

رغم تصويت 158 دولة لصالح قرار أممي يدعو إلى وقف إطلاق النار، لم تفلح جهود الأمم المتحدة في إنهاء الحرب، بل أُدرجت إسرائيل رسميًا في "قائمة العار" الخاصة بانتهاكات حقوق الأطفال، مما أدى إلى توتر علاقاتها بعدد من الدول الأوروبية التي كانت تُعد من بين أبرز داعميها.

ومع تزايد الضغوط، بدأت ملامح الانهيار الاقتصادي تظهر في الداخل الإسرائيلي، حيث سجّل الناتج المحلي نموًا لا يتجاوز 0.7%، فيما يطلب الجيش تمويلًا إضافيًا بقيمة 16 مليار دولار  أي نحو 3% من الناتج المحلي.

وبلغ العجز المالي لإسرائيل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط تخوّف من أن يمتد القتال إلى مراكزها الاقتصادية في تل أبيب والقدس. وارتفعت نسبة الدين العام إلى 62%، في حين خفّضت وكالات التصنيف العالمية، كفيتش وموديز، تصنيفها الائتماني، في ظل توقعات بمزيد من التراجع.

وفي سياق الحرب، ألغت إسرائيل تصاريح العمل لنحو 80 ألف عامل فلسطيني، مما تسبّب في تراجع 40% من قطاع البناء، مع تأثر قطاع التكنولوجيا الفائقة أيضًا، وبلوغ التضخم 3.6%.

لو استمرت الحرب لفترة أطول، ربما انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي أكثر، مما أجبر البنوك على الاعتماد على احتياطياتها، وعلى الرغم من وجود وقف لإطلاق النار، إلا أن هذا لا يعني نهاية الحرب، فقد حطمت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة أي آمال في جهود السلام.

وبددت التصريحات الأخيرة لترامب أي أمل في مفاوضات سلام جادة، إذ أعلن ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن خطة لتحويل غزة إلى "مدينة منتجعات"، على أن يتم ترحيل 2.3 مليون فلسطيني إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن وهما دولتان سارعتا إلى رفض الخطة رفضًا قاطعًا.

 

سيحول المشروع المقترح غزة إلى مركز للتوظيف والسياحة في غرب آسيا، وسيتم تسوية المنطقة بأكملها لتطوير البنية التحتية، وسيتم نقل 2.3 مليون شخص يعيشون حاليًا في غزة إلى دول مثل مصر والأردن، ومع ذلك، رفضت كل من مصر والأردن هذا الاقتراح بشكل قاطع.

ويؤكد الخبراء أن القوانين والمعاهدات الدولية ستشكل عقبة كبيرة أمام أي محاولة أمريكية لاحتلال غزة، وفي الوقت نفسه، تحشد الدول العربية الكبرى ضد خطة ترامب، حيث تعارضها السعودية ومصر والأردن وقطر وتركيا علنًا.

وقد أدانت حماس الاقتراح بشدة، واصفة إياه بالإبادة العرقية. كما أعرب العديد من المشرعين الأمريكيين، من الديمقراطيين والجمهوريين، عن معارضتهم.

وأثار الإعلان أيضًا سخطًا داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث عبّر مشرّعون من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، عن معارضتهم للخطة، مشيرين إلى تاريخ ترامب في طرح أفكار توسعية مشابهة، كاقتراحه السابق بضم كندا، أو السيطرة على قناة بنما.

وقد أقر البرلمان الإسرائيلي عدة قوانين مثيرة للجدل زادت من حدة التوترات مع فلسطين والدول العربية، على سبيل المثال، ينص قانون الدولة اليهودية رسميًا على أن إسرائيل دولة يهودية، مما يجعل المجتمعات غير اليهودية مواطنين من الدرجة الثانية فعليًا.

بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى قرار نقل العاصمة من تل أبيب إلى القدس على نطاق واسع على أنه عمل استفزازي ضد الفلسطينيين، كما تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، التي تسيطر عليها منذ حرب 1967، ويجري حاليًا تطوير مدينة ضخمة تُعرف باسم "مدينة ترامب" في المنطقة.

كما تتصاعد التوترات حول المسجد الأقصى خلال هذا الوقت، حيث غالبًا ما تُفرض قيود على المصلين المسلمين، وفي الوقت الحالي، يبدو أن احتمال تجدد الصراع أعلى من احتمال تحقيق سلام دائم.

وفي ظل إعلان إدارة ترامب سحب ممثليها من الأمم المتحدة، يتعزز القلق الدولي من أن العالم بات أمام مشهد أكثر فوضوية وتطرفًا، تغيب فيه الإرادة السياسية لإيقاف المأساة المستمرة في غزة.

اخترنا لكم

فلسطين في الخراب: التكلفة التي لا تُحتمل للحرب

فلسطين في الخراب: التكلفة التي لا تُحتمل للحرب

كي سي تياجي – نائب سابق في البرلمان الهندي بينما تتصاعد حالة عدم الاستقرار السياسي، وتتنازع القوى الكبرى حول مستقبل غزة، يواجه ملايين الفلسطينيين مصيرًا غامضًا ومروّعًا. منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023،... اقرأ المزيد